جينا أميني من ضحية للقمع إلى أيقونة للحرية

في الذكرى الثالثة لمقتل جينا أميني، تحولت انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" إلى رمز عالمي للمقاومة النسائية، حيث سلطت بيريفان شاهو وغزال عبد القادر الضوء على تصاعد العنف ضد النساء، ودعتا لتحرير المجتمع من العقلية الذكورية.

هيلين أحمد

السليمانية ـ تمت زيارة قبور النساء المجهولات في السليمانية بإقليم كردستان، لتسلّيط الضوء على وحشية النظام السلطوي وجرائم قتل النساء، في الذكرى الثالثة لمقتل جينا أميني، ابنة مدينة سقز في شرق كردستان، كانت تبلغ من العمر 22 عاماً حين اعتُقلت على يد النظام الإيراني بذريعة عدم الالتزام بقواعد الحجاب، وتعرضت للتعذيب، لتفارق الحياة بعد ثلاثة أيام من الغيبوبة.

مقتل جينا أميني لم يكن مجرد حادثة فردية، بل أصبح رمزاً عالمياً لمعاناة النساء، وصوتاً صارخاً ضد القمع، لقد تحوّلت قضيتها إلى كابوس يؤرق النظام، حتى أن عائلتها مُنعت من زيارة قبرها، وتم فرض قيود على مكان دفنها، في محاولة يائسة لطمس ذكراها.

 

"بهذه الفلسفة نسعى للحد من جرائم قتل النساء"

لكن انتفاضة  "Jin Jiyan Azadî"لم تُقمع، بل امتدت لتطال دول عديدة حول العالم، لتصبح صرخة نسوية تتحدى الظلم وتطالب بالكرامة.

وأشارت الناشطة في مجال حقوق المرأة غزال عبد القادر، إلى أن الحديث عن قتل النساء في القرن الحادي والعشرين يدق ناقوس الخطر، فهذه الجرائم تمثل جرحاً عميقاً يجب أن يُعالج، وإن "الإحصاءات المتعلقة بقتل النساء في تزايد مستمر، وهذه القبور المجهولة تُعد جراحاً مفتوحة تؤلمنا باستمرار، ففي مدينة ما، توجد قبور مجهولة تُعد وصمة في وجه التنوير، مما يزيد من معاناتنا".

وأكدت أنه "منذ القدم، كانت جرائم قتل النساء موجودة، وقد ساهمت النظرة الدونية للمرأة باعتبارها سلعة في تفاقم هذه الظاهرة، فقبل انتفاضة عام 1991، كانت هذه الجرائم أقل انتشاراً، لكن بعدها، وبسبب تجدد العقلية العشائرية وغياب الوعي المجتمعي، بدأت هذه الجرائم بالتصاعد، ثم في بدايات عامي 2014 و2018، ازدادت حالات القتل نتيجة للأزمات الاقتصادية المتفاقمة في المنطقة، حيث ساهم تدهور الوضع الاقتصادي للنساء وعدم مشاركتهن في سوق العمل في ارتفاع معدلات القتل، كذلك، فإن امتلاك النساء لحق العمل أثار غضب بعض الرجال، إذ أن عمل المرأة وامتلاكها للحقوق الأساسية كان يُنظر إليه كمصدر استفزاز".

وأضافت "إن جرائم قتل النساء في عصرنا الحالي، في هذا القرن الذي يُفترض أنه قرن التقدم، تُعد كارثة اجتماعية، نحن نطمح لرؤية النساء في مواقع التقدم، لا أن نراهن في قبور مجهولة الهوية، لذلك، نشارك اليوم في ندوة فكرية وثقافية حول المرأة الكردية، بدلاً من أن نستمر في التجمّع حول قضايا قتل النساء فقط".

 

"المرأة الكردية من التهميش إلى قيادة التغيير الاجتماعي"

وشددت غزال عبد القادر على أن "عدم تسمية القبور المجهولة تمس بشكل مباشر إحساس المواطنين بالشرف، ففي تلك المقابر يوجد أطفال ورجال أيضاً، لكن العقلية الذكورية تربط شرف المرأة فقط بجسدها، وتُلمّح إلى أن المرأة المدفونة هناك قد ارتكبت خطأ ما، وإذا ما صدّق البعض هذه العقلية، فإن مجرد ارتباط المرأة بعلاقة عاطفية مع رجل يُعد سبباً كافياً لإعادة إنتاج دوافع قتل النساء، مما يعيد إنتاج هذا المجتمع تحت سلطة العقلية الذكورية التي تحكم البلاد، حيث يُختزل الشرف في جسد المرأة، بينما يُفترض أن يكون الشرف في حماية الأرض".

وأضافت "لقد شهدنا عبر التاريخ نساءً رائدات مثل حفصة خان نقيب، خانزادي ميري سوران، قدم خير، وغيرهن في المنطقة، لكن النظام السلطوي القائم في إقليم كردستان أصبح سبباً في تصاعد جرائم قتل النساء، فمنذ سنوات، أصبحت هذه الجرائم متكررة لدرجة أن أخبار قتل النساء لم تعد تثير استغراب الناس".

ودعت إلى تحرير المجتمع من هذه الذهنية "يجب أن نسعى لتحرير المجتمع وتحقيق المساواة، والخلاص من تلك العقلية التي تجرّم المرأة باستمرار، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التوعية الإعلامية والعمل على تغيير هذه العقلية الذكورية المتجذرة، كما يجب أن يسعى النظام التربوي، عبر تقديم مناهج جديدة، إلى إحداث تغيير جذري في عقلية الأجيال القادمة".

 

"تحوّلت إلى رمز راسخ"

بدورها، أشارت الصحفية بيريفان شاهو إلى أن انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" أحدثت تغييراً كبيراً في عموم منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت أن تترك تأثيراً ملموساً في السياسة والحراك الثوري "إن انطلاقها قبل ثلاث سنوات جاء نتيجة غضب وكبت طويل عاشته الشعوب التي تعيش داخل الجغرافيا الإيرانية، حيث حاولت سياسات المنطقة على مدى عشرات السنين أن تفرض نمطاً سياسياً موحداً، لكن هذا الحراك كان بمثابة انتفاضة عالمية، وكسر العقلية الذكورية السائدة في الشرق الأوسط، تلك العقلية التي لطالما همّشت نضال النساء وقللت من شأنهن".

ولفتت إلى أن "النساء، بإصرارهن وجهودهن، استطعن أن يغيّرن تلك الذهنية، وجعلن من هذه الانتفاضة نقطة تحول في نظرة المجتمع إلى نضال المرأة، ففي ظل العقلية الذكورية، يُقال إن النساء لا يمكن أن يكنّ حرائر، لكن بفلسفة "Jin Jiyan Azadî"، استطاعت النساء أن يخرجن من تلك العقلية، لأن حرية المرأة تسبق حرية جميع الشعوب، فبدون حريتها لا يمكن أن توجد حرية حقيقية في المجتمع".

وأشارت إلى أنه "في هذه الانتفاضة التي انطلقت من شرق كردستان، ومع انضمام شعوب أخرى إليها، رأينا النساء يتقدمن نحو الحرية في مختلف أنحاء العالم، وبعد ثلاث سنوات من انطلاقها، ورغم تراجع الحراك في الشوارع، لا يزال الخوف والقلق يسكنان كل بيت، كما أن نسبة العنف من قبل النظام الإيراني ازدادت بعد اندلاع الانتفاضة، وارتفع عدد المناضلات والمطالبات بالحرية في السجون".

وأضافت "أحدثت تغييراً جذرياً في المجالات السياسية والاجتماعية، وفي نضال المرأة بشكل خاص، واليوم، في كل بيت كردي ينبض قلبه بالحرية، يُذكر نضال النساء، وتُستحضر الثورة والمقاومة تحت شعار Jin Jiyan Azadî".

 

"حين يتحول الألم إلى قوة تغيير"

وشددت بيريفان شاهو على أن شعار Jin Jiyan Azadî""، أصبح حاضراً في جميع الميادين "من خلال السجون وتشديد العقوبات، يُحاول النظام الإيراني إسكات صوت الحرية، وتواجه النساء التعذيب والحرمان من الحقوق. نحن نرى هزيمة النظام الإيراني في شخص شريفة محمدي، وبخشان عزيزي، وزينب جلاليان، وشيرين علم هولي، ووريشة مرادي، اللواتي أصبحن صوت الحرية في شرق كردستان وإيران".

وأكدت أن "العالم بأسره بات يدرك أن نضال السياسيات في السجون هو نضال من أجل حرية جميع نساء العالم، فذلك النضال داخل السجون هو من أجل تحرير جسد المرأة في كل مكان، لأنه لا يمكن أن يكون هناك مجتمع حر دون حرية المرأة، ولهذا، فإن المقاومة من داخل السجون هي مقاومة من أجل حريتها، وهؤلاء النساء يواصلن نضالهن، ويشكلن لنا دليلاً ومرشداً كي نواصل العمل على نفس الرؤية من أجل التحرر".

وحذرت بيريفان شاهو من أن "النظام الإيراني يحاول قمع هذه الانتفاضة، لكن من المهم أن نكون، في الذكرى الثالثة لانطلاقها، صوتاً واحداً في الشوارع، وقد شهدنا في السابق أن غياب الثقة بالنفس على مستوى العالم لم يسمح باستمرار تقدم النساء، ولذلك يجب أن تسعى النساء إلى ترسيخ الثقة بالنفس عالمياً، لأن الثقة بالنفس أصبحت فلسفة Jin Jiyan Azadî""، وكما أن هناك صوتاً موحداً داخل السجون، يجب علينا أن نتمسك بنفس الفكر ونواصل النضال".